إدارة المعرفة
في ظل السباق المحتدم للوصول للتميز بين الدول وبين القطاعات في الدولة الواحدة وحتى بين الإدارات والأقسام في جهة واحدة تبرز أهمية المعرفة وطرق إدارة المعرفة والإستفادة منها وطرق تطبيقها على مستوى المؤسسات لتحقيق التميز المؤسسي المنشود. فما هي المعرفة؟
يقصد بالمعرفة التقنيات والأدوات والموارد البشرية المستخدمة لجمع وإدارة ونشر واستثمار المعرفة ضمن مؤسسة ما. وهي إدارة ما يمتلكه الأفراد من مهارات تستند إلى المعرفة، وليس فقط ما هو موثق في مستندات المؤسسة ، ويمكن الوصول إليها بواسطة وضع سياسات تنظم المعرفة بالمؤسسة المعينة أو يمكن الحصول على أفضل المعارف والأفكار عن طريق عقد جلسات العصف الذهني والتحفيز والبحث.
هناك نوعين للمعارف تم تصنيفهما على أساس توثيق المعرفة في مكان محدد من قبل جهة محددة
أولاً: المعرفة الضمنية: هي المعرفة التي تنتمي إلى تمثيلات عقلية متجذرة في الناس، وبالتالي لا يمكن استخلاصها بسهولة. وهي تشمل المهارات الفطرية أو المكتسبة، الخبرات والتجارب. تتميز هذه المعرفة بصعوبة نقلها أو تحويلها للآخرين على عكس المعرفة الصريحة. ومن أمثلة المعرفة الضمنية المهارات المكتسبة من أداء عمل معين أو الخبرة في أداء أو تطبيق مهارة معينة، وفي الغالب المعارف الضمنية تكون غير موثقة وغير معتمدة.
ثانياً : المعرفة الصريحة: المعرفة الصريحة هي المعرفة التي تم تفصيلها، تقنينها، وتخزينها،.و تتميز هذه المعرفة بإمكانية انتقالها بسهولة للآخرين. المعلومات الواردة في الموسوعات والبحوث ودراسات الحالة والكتب المدرسية أمثلة جيدة من المعرفة الصريحة.
يمكن الحصول على النوعين من المعارف من مصدرين أساسيين وهما المصادر الداخلية وثانيهما المصادر الخارجية، تتمثل المصادر الداخلية في الخبرات المتراكمة للأفراد في المؤسسة، ونظام العمليات والتكنولوجيا المعتمد، المهارات المكتسبة بالتجربة أو التعلم خلال العمل، كما يعتبر التدريب والمؤتمرات والجلسات التفاكرية من مصادر المعرفة الداخلية المهمة. أما المصادر الخارجية: فهي المصادر من بيئة المؤسسة الخارجية وتتمثل في المنافسين، العملاء، المجتمع، الجامعات والمراكز البحثية، المؤسسات الشبيهة والرائدة في نفس المجال، الموردين، الجهات القانونية والتشريعية ذات العلاقة بنشاط المؤسسة، الإنترنت والإنترانت.
نشأ في ثمانينيات القرن الماضي مفهوم إدارة المعرفة بواسطة عدد من المختصين مثل دونالد مارشال ودراكر الذي تنبأ أن العمل النموذجي سيكون قائماً على المعرفة. ومن ذلك فإن إدارة المعرفة هي العمل الذي تؤديه المؤسسة لتعظيم إستخدام رأس المال البشري والإستفادة من أفكاره في تطوير وتحسين العمل وتحقيق التميز المنشود. ويعبر عنها بالمشاركة المنظمة للمعلومات لتحقيق الأهداف المرجوة في بيئة عمل محددة.. ومن أهم فوائد تحقيق إدارة المعرفة هو:
- إتاحة زيادة المحتوى المعرفي في تطوير وتقديم المنتجات والخدمات
- تحقيق أقصر دورات جديدة وتطوير الخدمات والمنتجات
- تسهيل وإدارة الابتكار والتعلم التنظيمي
- الاستفادة من خبرات الناس في جميع أنحاء المنظمة
- زيادة الاتصالات الشبكية الداخلية والخارجية بين الأفراد
- إدارة بيئات العمل والسماح للموظفين للحصول على الرؤى والأفكار المناسبة لعملهم ذات الصلة
- حل المشاكل المستعصية
- إدارة رأس المال الفكري والأصول الفكرية في القوى العاملة (مثل الخبرة والدراية التي يمتلكها الأفراد الرئيسيين).
المؤسسات الرائدة والباحثة عن التميز المؤسسي في أدائها تتبنى نهج إدارة المعرفة لما له من أثار إيجابية في تحقيق الإستراتيجيات والرؤى الخاصة بها، ومن ضمن أهداف ادارة المعرفة
- تبسيط العمليات وخفض التكاليف عن طريق التخلص من الإجراءات المطولة
- تحسن خدمة العملاء عن طريق اختزال الزمن المستغرق في تقديم الخدمات المطلوبة
- تبني فكرة الإبداع عن طريق تشجيع مبدأ تدفق الأفكار بحرية
- زيادة العائد المالي عن طريق تسويق المنتجات والخدمات
- تفعيل المعرفة ورأس المال الفكري لتحسين طرق ايصال الخدمات
- تعلم كيفية تحسين الذاكرة العملياتية
وفي مجال التميز المؤسسي وللوصول إلى نهج واضح وفعال في إدارة المعرفة بالمؤسسات يمكن إتباع خطوات علمية وعملية للوصول إلى أفضل النتائج في هذا الباب. ويمكن تلخيص ذلك في عدد من الخطوات الهامة لتحقيق إدارة المعرفة وهي كالتالي:
أولاً: تشخيص المعرفة تحليل مبدئي وذلك لتحديد نوع المعرفة المتوفرة وحجمها ومصادرها والدور الذي تلعبه في تحديد توجهات وكفاءة عمليات المؤسسة، ويتم مقارنة ذلك بما هو مطلوب من إدارة المعرفة بالمؤسسة، ليصبح هذا التشخيص هو الأساس لوضع الخطط والسياسات والبرامج لسد الفجوة بين المطلوب والموجود.
ثانياً: توليد المعرفة. بناء على تحديد فجوة المعرفة وتحديد أهدافها بالمؤسسة يتم تحديد مصادر توليد المعرفة اللازمة لسد الفجوة المحددة وتحقيق الأهداف المرجوة منها. وبدراسة المصادر المتوفرة من معرفة ظاهرية أو معرفة ضمنية من ضمن عمليات وثقافة المؤسسة يتم تنفيذ خطط ومنهجيات الإدارة المعرفية، آخذين في الإعتبار عمليات توليد الأفكار الجديدة وابتكار المعارف التي تجعل المؤسسة في مجال الريادة والتنافسية. كما يتم توسيع دائرة المعرفة بواسطة تحويل المعرفة الضمنية إلى معرفة ظاهرية ونقل المعرفة من المستوى الفردي إلى المستوى المؤسسي الجماعي
ثالثاً: خزن المعرفة. وهي مرحلة إنشاء و/ أو تحديث الذاكرة التنظيمية للمؤسسة والتي تم الحصول عليها في مرحلة توليد المعرفة بالبحث والملاحظة والمراقبة وحفظها ومعالجتها واسترجاعها وقت الحاجة وإستدامتها. ومن أهم الجوانب في حزن المعرفة هو تحويل المعرفة الضمنية لدى الأفراد بالمؤسسة إلى معرفة صريحة لتصبح جزءأ من مصادر المعرفة الداخلية وتضمن دوران المعرفة بين العاملين بالمؤسسة.
رابعاً: توزيع المعرفة. بعد تحديد مصادر المعرفة وتوليدها وخزنها تقوم المؤسسة بإستخدام أفضل الطرق والمنهجيات لتوزيع المعرفة على الأفراد والإدارات بما يضمن حصول كل منهم على القدر الكافي الذي يسمح له بأداء عمله على الوجه الأكمل وبالطريقة التي تضمن تناغم العمل في جميع الإدارات وبين جميع الأفراد على المبادئ المعرفية التي تم إعتمادها من قبل إدارة المؤسسة.
خامساً: تطبيق المعرفة. في هذه المرحلة تؤكد المؤسسة أن المعارف التي تم جمعها وتنظيمها وتوزيعها تضمن تحقيق الهدف الأساسي منها وهو خدمة أهداف المؤسسة لتتطور وترتقي في سلم الريادة مستندة على قاعدة صلبة من المعرفة والثقافة المؤسسية. يتم التوصية في هذه المرحلة بأن يتم تعيين مديراً للمعرفة يكون من ضمن مهامه حث العاملين على تطبيق المعرفة التي تم إعتمادها، كما أنه يقوم بمراقبة والتدقيق على التنفيذ الجيد لتوجيهات الإدارة العليا في التطبيق، كما يقوم بعمل التقارير عن التطبيق وتسجيل القصص الملهمة والمبتكرة في هذا المجال، كما يقوم مدير المعرفة بعقد الجلسات التوعوية والتدريبية فيما يخص إدارة المعرفة لعرض التحديثات والمتطلبات الجديدة إن وجدت بما يضمن إستدامة المعرفة.
يواجه تحقيق إدارة المعرفة في المؤسسات وتبني نهج التميز المؤسسي القائم على الثقافة المعرفية مجموعة من التحديات، من أبرزها
التحديات الثقافية او الثقافة التنظيمية والتي يطلب منها أن تكون داعمة لعملية نشر وتبني ثقافة المعرفة بالمؤسسة المتميزة، فهي تمثل مجموعة القيم والمعتقدات والطريقة التي يتعامل بها العاملون داخل المؤسسة، وهي الحافز لتحقيق التطوير والتميز المنشود، فنجد أن كثير من المؤسسات لا تستطيع تبني هذا النهج مما يؤثر سلباً على تحقيق إدارة المعرفة. ومن الحلول التي يمكن تطبيقها لإزالة هذا التحدي هو بناء رؤية ورسالة وقيم المؤسسة على التعلم ومشاركة المعرفة، كما يطلب من الإدارة بالمؤسسة الحديث مع العاملين عن أهمية الثقافة المؤسسية ومدى تأثيرها على المؤسسة من ناحية كفاءتها وفعاليتها، إيجاد حوافز مادية ومعنوية وتحسين المستوى الاقتصادي والإجتماعي لهم.
ثاني التحديات هي التحديات التنظيمية الخاصة بالهيكل التنظيمي للمؤسسة ومدى مرونته مما له التأثير المباشر على عملية تشارك المعرفة على المستويات الإدارية، بالإضافة للسياسات والعمليات الداعمة له. ويمكن تجنب هذا التحدي بجعل الهيكل الإداري أكثر مرونة والسياسات الداعمة والحوافز والمكافآت.
ثالث التحديات هي التحديات التكنولوجية، ففي ظل التطورات التكنولوجية الهائلة تعتبر المؤسسة التي تستطيع إستخدام التكنولوجيا بشكل أفضل في إدارة المعرفة وتخزينها وإستخدامها بشكل أفضل هي المؤسسة المتميزة والقادرة على الإستمرارية في تقديم أفضل الخدمات. ويكمن تحدي المؤسسات في قدرتها على إستخدام التكنولوجيا في تحسين التواصل وتوصيل المعلومات بسهولة وأمان، كما تساهم التكنولوجيا في توليد المعلومات وسرعة نقلها ومشاركتها وقلة تكلفتها.
من كل ذلك ندرك أنه في عصر التغير المتسارع والمشحون بالكم الهائل من المعلومات من مصادر متعددة لا بد للمؤسسات الساعية للفوز بسباق التميز المؤسسي معرفة كيفية إدارة المعرفة لديها بالاستفادة من ميزاتها العديدة ومصادرها المتعددة كما عليها التصدي لتحدياتها بالمرونة اللازمة لتحقيق التميز والإستدامة في النتائج والتطور المستمر.